الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وَلُوا..

 

 

أعطتني أمي الكيس المليء بالحلوى وقالت لي: 

"خذي لكِ منها وخذي للخادمة معكِ".

فأخذت لي حلوًى مختلفة عن الحلوى التي للخادمة؛ فأصرت أمي أن أعطيها نفس الحلوى التي في يدي، ولمّا بحثت ولم أجد قطعةً أخرى نفسها؛ أصرّت أمي أن أرمي قرطاس الحلوى التي معي في قمامة غرفتي حتى لا تراه الخادمة وتشعر بالفرق عني!

هذا مثال يا سادة من أمثلة عدل أمي مع الخادمة وحرصها على أن لا تشعر الخادمة بالفرق عنا!

لن أنسى ذلك المساء حين خرجت إلى أحد المطاعم وأحضرت لي منه وجبةً للعشاء كيف غضبت مني على عدم إحضاري شيئًا للخادمة رغم تأكيدي لها أنها لم تَرَني وأنا أتناوله، إلا أن أمي أصرت على موقفها مبرّرةً: "وما يدريكِ! ربما شعرت بذلك وأنت لا تعلمين! " وأخذت تعيد علي وصايا الرفق بالخدم ومعاناتهم في طلب الرزق وتغربهم عن أولادهم وأوطانهم ووو...إلخ.

لا أخفيكم أنني أشعر أحيانًا بالغيرة من الخادمة لهذا الحرص الشديد من أمي عليها وعلى مشاعرها؛ لا أقول أن أمي كانت لا تعاملنا بنفس الطريقة معاذ الله، لكن معاملتها لنا وحرصها علينا خفيٌّ كثيرًا وظاهرٌ أحيانًا.. هي ترعانا بقلبها وروحها وتظهر أثر تلك الرعاية على لسانها وأفعالها دون أن تصرح بها بشكل مباشر.. هي ترعانا بصمت دون أن تتكلم.. وأنا أدرك ذلك حقًا إلا أن الغيرة أحيانًا شيطانٌ يعميك عن رؤية الحق والهدى.. أعوذ بالله من الشيطان!

لقد تعلمت من أمي دروسًا في العدل والقسط ربما لم تنجح في تعليمي إياها المواعظ والكتب، تعلمت منها دروسًا أرجو أن يطالَ أثرها الناس من حولي، أو من يعرفني ومن لا يعرفني.. يا رب اجعلنا ووالدَينا وممن أحببنا ممن قال فيهم رسولك -صلى الله عليه وسلم- :"-: ((إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن - عز وجل - وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وَلُوا"