السبت، 24 ديسمبر 2022

عامي التاسع والعشرون..

أُكملتُ بالأمس عامي التاسع والعشرين حسب التقويم الهجري، ورمية حجر تفصلني عن الثلاثين إن شاء الله.. هل أنا متهيبة لاقترابي من الثلاثين؟ الحقّ أني أشعر بمزيج رهبة وغرابة وبراءة.. رهبةٌ لأني سألج عَقدًا جديدًا يوصف أنه بداية الكهولة وأول الرشد والحكمة، فستُلزمك الأعراف والأوصاف أن تقضي على طيشك ونزقك رغمًا عنك وإن كان عقلك بحجم الحصاة وروحك متفجرة الغرارة! وغرابةٌ لأني أشعر أني غافلة عن قافلة العمر الضاربةِ في السنوات ذاهلةٌ عن أرقامها المتصاعدة! فماذا يعني أن أكبر؟ وماذا يعني أن أقترب من الثلاثين؟ ماذا يعني كل ذلك إن لم أكن أشعر به على الحقيقة! فليس في جسدي عضوٌ يحصي السنوات، وليس في روحي دقّات ساعة أسمع ضرباتها ولا أراها! كل ذلك لا أشعر به فكيف أؤمن به! لقد مرّ هذا العام سريعًا بطيئًا.. غريبًا واضحًا.. مضطربًا مستقرًا! شعرتُ به بمزيج تناقضات، بلهفةٍ ثم إنكار.. بدموعٍ حارّة ثم ببلادَةٍ قارَّة.. بتقدّم واطّراد، ثم بتأخرٍ وانفراط، ثم تتلاعب الأضداد وتتناغم حينًا، ويغلب بعضها الآخر حينًا وحينًا.. هذا العام قَدِم وأنا حبلى بطفلتي الأولى وانصرم وقد أنجبتها وأتمّت من العمر ٤ أشهر، لم يُكبّرني زمان الحَبَل كثيرًا، لقد أثقل بطني وجسدي ولكنه لم يثقل قلبي؛ ما زال قلبي خفيفًا يتأوه لأوهى حزن وألم ويطرب لأبسط حلم ونغم.. ولكني حين أنجبتها مرّت بقلبي أطوار.. بروجٌ وأغوار، كالجبل صلابة وشموخًا، وكالغبار هباءً واضطرابًا! أحيانًا أنسى أمومتي وأراني ما أزال تلك الفتاة اللاهية، وأحيانًا أشعر بأن "سناء" هي الحجر الذي أتمّ بنائي وأكمل نقص حياتي وأنا من دونها ثغرة تدخل منها الريح لقلبي وتعصف بمشاعري وخطراتي.. أحيانًا أشعر بأن بيني وبينها كل هذه السنوات التي تفصلني عنها، وأحيانًا أشعر أن ما بيني وبينها إلا أيام وشهور وأن قلبي يكاد يكون كقلبها طفولة وبراءة؛ فأنزل لها وألعب معها وأضاحكها كطفلٍ وطفل لا كأم ووليد! فما الضير أن نكون كالأطفال روحًا وإن كان العمر والجسد يجرفنا إلى غير مجرانا! لطالما شعرت بأني طفلة.. لا أجنح إلى الطفولة طيشًا وشقاوة، ولكن لأن "شبه الشيء منجذبٌ إليه"؛ فأهنأ وقتي وأنداه حين يتوافق قلبي مع براءتي.. فمن أنا؟ تلك الأم الواعية، والمرأة الحكيمة؟ أم الفتاة الغافلة، والطفلة الحالمة؟ وهل أنا الأمل الكاذب أم اليأس المهلك أم الواقع المتوازن؟ الصاخبة لهوًا أم الساكنة تأملًا ؟ أنا مزيج من هذا كله.. أتغيّر وأتبدّل أحيانًا في أيام بل ساعات بل في لحظات ! وإني لأكبُر بما أشعر في روحي من علوٍ أو في عقلي من نضج، وإني لا أبالي بعمري إلا من زمانٍ آنَسني أو زادَ في رَشَدي.. لا من رقم وتاريخ لا يصلني به إلا إرادة الله أن أولدَ فيه.. وإني لأكبر أحيانًا وأصغر أحيانًا، وأسأل الله أن يجعل ختامي على ما يرضاه؛ فذلك منتهى الرشد وتمام الحكمة..