الثلاثاء، 3 أكتوبر 2017

ما زلت في منطقة الراحة!


أُصبتُ بالزكام مرة؛ فلم أستطع النوم لضيق التنفس الذي أشعر به.. تأخر الوقت، مرت ثلاث ساعات منذ آويت إلى فراشي، عيناي ثقيلتان وجسمي مُتعب، ولديّ في الصباح دوامٌ ينتظر أن آتي إليه وقد نلت حظي من النوم والراحة.. كل ما كان بيّ وقتها يدعو للنوم ويستنجد به، ولكن سلطان المرض كان أقوى من النوم.. والمفترض بي كما عهدت من نفسي أن أبكي في مثل هذه الحالات أو أطلق تأوّهات الضيق والشكوى تنفيسًا مما أجد، ولكنني عجبت لكمية الرضا والاطمئنان التي سُكبت في صدري وقتها؛ فكرت وقلت في نفسي: الحمدلله.. على كل حال ها أنا أستلقي بملئ جسدي على وسادةٍ لينة وفراش لذيذ وأقبض على لحاف وثيرٍ دافئ، وتداعب جلدي نسمات التكييف الباردة.. الماء قرب رأسي والدواء في متناول يدي، هدوء الليل المريح يلفعُ ما حولي، أمنُ الله وأمانه يحوطُ البلاد والعباد، أهلي نائمون هانئون لا يشتكي أحدٌ منهم همًا ولا غمًا، لا نشتكي فقرًا أو مرضًا.. أيامنا حافلةٌ بالنعم، والكثير والكثير.. والأهم من ذلك.. أن لي ربًا فوقي يسمعني ويعلم بحالي وإذا سألته يعطيني وإذا استعذته يعيذني، وما زال يعطني ويغدق علي.. 
وحتى إن مسّني الضر فهو كفارة لذنوبي ورفعة لمنزلتي بإذنه سبحانه.. وإن لم أنم جيدًا اليوم سأنام غدًا أو بعد غد.. وإن تغيّبت عن الدوام أو حضرت إليه متعبة فبعذر وقدَر.. وما زال المؤمن ما عاشَ ينتقل من خيرٍ إلى خير حتى وإن أصابه الضرّ..

**

تشتكي جدتي من أمراض تُقرّح جسدها المنهك، وهمومٍ وهواجس تجرّح قلبها الضعيف، وسنين وأحقاب تضيف للعمر عمرًا آخر من ثقلها وطولها، ورغم ذلك أراها شديدة التعلق بالله مقبلةً عليه حامدةً له، مؤمنةً أن الدنيا دار ممر وابتلاء، وأن ما أصابها لم يكن ليخطئها، وأنه كفارة ورفعة لها، فأنظر إليها وأنا أتفكّر أن أحدنا لو أصابه ما أصابها أو أقل مما أصابها بكثير لجزِع وربما تسخّط وشكى ربّه! .. أنظر إليها وأنا أهزأ بصبري الرقيق وقوة احتمالي المزعومة! 
لقد شقّت جدتي أغمار العمر لأنها تعلم أنه مهما أصابها فهي في عطايا ونِعم تؤهلها بفضل الله للعيش والحياة أكثر وأكثر!

**

قبل أيام كنا في سفرٍ خارج البلاد، وكانت رحلة عودتنا في وقت متأخر من الليل وتصادف ليلة أول يومٍ من العام الدراسي الجديد، فتشكّى أهلي وتشكّيت معهم من هذا التوقيت، فالنوم الذي جاهدوا لتنظيمه في الليل سينفرط منهم في يوم واحد، والرحلة في وقتٍ كهذا مملة وساكنة، فالبعض يحاول النوم، والبعض يتململ منتظرًا الوصول، والوصول لن يعقبه الخلاص؛ فبعده الإجراءات وطريقٌ آخر إلى مدينتنا التي تبعد عن الرياض ساعةً تقريبًا.. تضايقنا من هذا الأمر واشتكينا.. لكني ذكّرت نفسي ونبهت مَن حولي أن هذا السفر نعمةٌ كبيرة أروَحت نفوسنا واستمتعت بها كثيرًا، وأنه قبل ساعاتٍ فقط كنا نضحك مستمتعين في إحدى المطاعم هناك.. أننسِفُ سعادة تلك النِعم وغيرها الكثير والكثير جدًا بضيق يومٍ واحد ؟!! فماذا كنا نفعل إن كنا نعيش في زمن يلزم السفر به أيامًا وشهورًا ومصاعب ومشقات كثيرة؟! وهي بعدُ خمس ساعات فقط ونعود إلى وطنٍ يلُمّنا وبيتٍ يضُمنا وأهلٍ وأحباب يشتاقونا وينتظرونا، وهذا التعب إنما هو يوم واحد يضيع بعدها ويختفي في زحام الأيام السعيدة والنعم الغزيرة؛ إن جاز حقًا أن نسميه بالـ"تعب" أو الـ"ضيق"!

**

هذه أمثلة بسيطة فقط رغبت بها أن أقول لنفسي ولمن غيري ممن يشتكي من أي شيءأنه مهما حصل لك فإنك كنت ولا زلت في محيط النِعم.. غارقٌ فيه.. أو على السطح منه.. المهم أنك لم تزل مبلولًا منه، ولم تُرمى يومًا على يابسة الشقاء والعدم!
مهما كنت في قعر الألم أو دَرك التعب، فتحسّس حولك، تأمل منطقة الراحة التي لا ريب أنك تقع فيها، تأمل التفاصيل ستجد أنها كليّات.. فتّش عن المنسيات، ستندهش كم أنها حاضِرات! تفكّر في الخفايا، سيبهرك ما لها من قوةٍ وتجليّات! عُدّ الآلام التي تشعر بها ثم عُدّ في مقابلها النعم التي كنت فيها وما زلت فيها.. والأهم من ذلك استشعر وجود تلك النعم ثم احمد الله وكن من الصابرين الراضين..