"من أخذ بالسُّنة بعد القرآن فقد أبصر بكلتا عينيه"
*الشيخ يحيى اليحيى
ما أصدق هذا القول! رضي الله عن قائله وأرضاه!
أتساءل بعد تدارسي لمختصر البخاري وزوائد مسلم؛ ما الذي كان يحدوني لتدارس الحديث والسُّنّة؟! أهو حُبٌ طبعي ركّبه الله في قلب كل مسلم لنبيه صلى الله عليه وسلم ؟ لخُلقه وقداسته وخَلقه وشمائله؟ أم هو تشوّفٌ لنور هديه الذي يجلو الظلمات وينير عتمات الفكر والشعور والطريق؟ أم هو تشوق لسِيَر خير القرون وأخبارهم وآثارهم؟ أم هو فزّةٌ لما لا أعلمه ولذّة العلم والتعلّم؟ ربما كانت جميعًا.. ولا ريب أنها نورٌ على نور..
صلى الله على محمد.. تستشعر بتدارس حديثه عظمة هذا الدين وتسرب نوره إلى دقائق المسالك والتفاصيل.. تستشعر النور في أبسط الأشياء.. تستشعر غياث الوحي يروي أوغل البذور فتنبت، ووالله إني لأقوله حقيقة وليس من مجاز القول! فأن يرشدك أحد كيف تتصرف في أمر شيء.. وأن يرشدك لحسن التصرف وأرقاه شيء آخر.. ويا سعد من أبصر ذلك بعينيه!
نعم ..الحياة والوقت لا يكفيان لقراءة كثير من الكتب أو ذوق عديد من العلوم والمعارف.. وكم كادت كثبان الحسرة والضيق تدفنني حين أُشغل بأمومتي ومسؤولياتي عن القراءة والتعلم لولا الاحتساب واستشعار قيمة ونعمة ما أنا فيه.. ولكن المرء حين يتدارس الوحيين ويعبّ من معينهما يشعر أن الأمر مختلف تمامًا؛ فكل أشتات المعرفة مجموعة فيهما، وكل قيمة وثمن وبريق مستودعةٌ في منجم كنوزهما، وكل دقيقة فيهما غنيمة، وكل وقت فيما سواهما غبن، وكل خاطرٍ فيهما وصول وظفر، وكل شعور فيما سواهما مُضيٌّ وسؤال! أنزلهما ربّ الحياة.. أفلا يعلّمان الحياة؟!
ومنذ أن سمعت بمعهد النجاح لتعليم الوحيين والذي يُعنى بالسُّنّة وعلومها وأنا أرغب بالدراسة فيه ولم ييسر لي الله ذلك أول الأمر، ثم حين رأيت الوقت مناسبًا وسجّلت فيه وقُبلت؛ علمتُ بحملي بطفلتي الثانية "دانية" فشعرتُ وكأن الأمر أُسقط في يدي! لم أجرّب الدراسة وأنا متزوجة فضلًا عن أن أكون حاملًا وأُمًّا لطفلة أخرى! دعوتُ الله كثيرًا بالتيسير وقررتُ المضيّ قُدمًا.. كنت في بداية الدراسة لم تزل موجات الوحام تراوحني بين فترة وأخرى، وكان وجهي كما قيل لي شاحبًا متعبًا، ثم ارتفع البطن وثَقل الوزن وازدادت آلام الظهر والساقين.. وضاعف ذلك طول مسافة الطريق بين بيتي والمعهد ثم طول الجلوس في المحاضرات، وأيضًا ذهاب سناء معي وإيابها لأضعها في حضانة المعهد.. والصبر على شقاوتها أصلحها الله.. انتهى الفصل الأول برحمة الله وأنا في منتصف الشهر السابع تقريبا.. وخواطر تأجيل الفصل الثاني للعام المقبل تملأ نفسي.. ولكني رغم ذلك لم أؤجل! تسألوني لم؟ لأن موعد ولادتي بحكمة الله ولطفه كان يوافق شعبان ويسبق إجازة مدتها أسبوع ، ثم بعدها بقليل يحين شهر رمضان والمعهد أصلًا يتوقف عن الدراسة في رمضان! فسبحان المدبّر الحكيم! كنتُ حين علمت بداية حملي بموعد ولادتي المقدّر بين يدي رمضان شعرتُ بالحزن، ولكني حين علمت حكمة الله في ذلك لأجل موافقة الإجازات فلا يفوتني من الدراسة شيء حمدته سبحانه على جميل تدبيره!
نعم حين ثقلت أكثر ووصلت شهرَيّ الأخيرين في الحمل تمنيت الاعتذار والتأجيل مرات عديدة ولكن لطف تيسير الله وعونه كان يحملني في كل مرة ويُضجعني على وسائد اليُسر فأقوم بعدها خفيفة نشيطة!
ثم ولدتُ بفضل الله قبل رمضان بأسبوعين، ولم يَفُتني من الدراسة إلا أسبوع واحد، ثم رجعنا نستأنف الدراسة بعد العيد وقد صار عمر دانية قرابة الشهرين، قد هوى عني ثقل الحمل ربما من جانب.. ولكن أتاني ثقل أمومة طفلين من جانب آخر وتحدي حملهما معي كل صباح وعدم استقرار نوم دانية أحيانا.. نعم كان لديّ عاملة تعينني بعد الله ولكن الأمر لا يزال شاقًا ومرهقًا وسعيدًا في آن! فبقدر ما كانت العودة للدراسة في هذا الوقت الصغير والحسّاس من عمر دانية صعبة ومربكة بقدر ما ساعدتني هذه العودة على سرعة انتظام حياتي بعد الإنجاب وإزاحة مشاعر وأحاسيس الفوضى والكآبة والشعور بالضياع واللاإنجاز التي ترافق الأنثى أحيانًا بعد الولادة! فسبحان من جعل حياتنا تسير في ضفيرة من الإحساس المركب وتضاربٍ من الشعور فلا سعد خالص يُثملك ولا حزن قاهر يدفنك!
كم تمنيت مرات عديدة وأنا أترنّح في أثقال الحمل والأمومة والمسؤوليات أني خضتُ هذه التجربة قبل أن أصبح أمًا.. وكم نظرتُ بغبطةٍ إلى الطالبات العزباوات أو المتزوجات ولمّا يصبحن أمهات بعد أو اللاتي لديهن أبناءٌ كبار يعتمدون على أنفسهم؛ كم تمنيتُ أني مثلهنّ غاديةً ورائحةً لمقاعد الدراسة بخفة ومولِية الدروس والتكاليف تركيزًا أكبر، ولا أقول هذا جحودًا لنعمة الأمومة، بل أحمد الله عليها وعلى عافية طفلتَيّ وحسن خلقهما وخُلقهما ليل نهار .. ولكني تمنيت أني درستُ قبل ذلك.. ثم حين أرى تياسير الله وتوفيقه لي وألطافه بي فلا أظن أمًّا أحيطت بهذه الألطاف والتياسير مثلما أحاطني الله بها! ثم أدرك أنها خطًى مرسومة وأقدامٌ ماضية لا تُصدّها عراقيل ولا تُقدّمها تياسير؛ فقد اعتذرت طالبات عزباوات عن الإكمال لظروف صادفتهنّ ولم يجدن منها مخرجًا، وأكملتُ أنا الأم لطفلتين أكبرهما لم تجاوز الثالثة وأصغرهما لم تجاوز الثلاث شهور ! فسبحان المقدّر المدبّر الميسّر.. ربّ إن علمتَ منا في طلب هذا العلم خيرًا فاقبله منا وضاعفه وزكّه وانفع به ولا تجعل عاقبة كدّنا ووصبنا أوصب منه وأرهق في الآخرة واجعله حجةً لنا لا علينا.. ولسانًا ناطقًا عنا وفعالًا دالةً علينا يا رب العالمين..
هما المعين الشافي الكافي الذي لا حسرة على فواتِ ما دونهما.
ردحذفالحمدلله الذي يسّر وتكفّل بإعانتكِ وفتح عليكِ وقوّاكِ ❤
هنيئًا لسناء ودانية بأمّهما ❤ صنعهما الله على عينه وبلّغكما صلاحهما وبرّهما ويُسر تنشئتهما.
التعليق منّي، حنين
حذفولا أدري لمَ اختار عدم تعريفي 😪
إي ولله قرة عين القلب هما 🩷
حذفالحمدلله وحده الحمدلله 🩷
قلبي حدّثني أنه أنتِ من قبل أن أقرأ تعليقك الآخر 💖 شكر الله لك حنين وهنيئًا لي أنا بك 🌸💖
اللهم آمين جزيتِ خيرًا يا حبيبة 💖