السبت، 8 أبريل 2017

الاستعراب بدعة إسلامية؟!



قرأت منذ زمن في تويتر تغريدة لامرأة من سوريا تقول فيها بأن سوريا كانت قبل الزحف أو الاجتياح العربي (لا أذكر الكلمة بالضبط) كانت أرضًا سريانية يتكلم أهلها الآرامية إلى أن جاءها العرب فاستعربت، وكانت تقول هذا الكلام على سبيل الاحتجاج والانتقاد والغضب، وكأن العرب الفاتحين هم من انتزع من سوريا سريانيّتها وسلب منها هويتها الآرامية بالقهر والإجبار ! 

 

لم تزل كلمات هذه المرأة ترنّ في أذني منذ ذلك اليوم، ومنذ قرأتها والتساؤلات المُلحّة والعنيدة تضرب في أرض عقلي تاركةً فيها الأحافير والأخاديد.. تساؤلاتٌ عن التاريخ.. عن الدين ومفاهيمه.. عن اللغات.. عن الهويّات.. عن الواقع.. عن السياسة.. عن أشياء شتى!

ولم أزل منذ ذلك اليوم أبحث عن الإجابات متى ما سنحت لي الفرصة، ومتى ما بُعثت تلك الأسئلة الراقدة في عقلي من مرقدها من جديد، ولكن هذه الأيام بالذات كان انبعاث الأسئلة قويًا ونشاطها مسعورًا واستفهامها حثيثًا؛ ورحت أبحث ..فقرأت وشاهدت وتفكرت وتأملت، فأثراني هذا البحث كثيرًا وغيّر عددًا من أفكاري، وأحب أن أوضّح بأن هذا البحث لم يكن يخص سوريا أو السريانيين وحدهم بل كان بحثًا فيما وراء هذا الكلام من تاريخ وهويات ولغات وغيره سواءً أتعلق بالسريان أم بغيرهم، أي أن السريان هم مثال وأنموذج كما سأوضح لاحقًا إن شاء الله.. وقد توصّلت إلى أن هذه الحجة التي قالتها هذه المرأة باطلةٌ قولًا ومعنًى!

 

بدايةً يجب أن نفهم أن الأحكام التي نطلقها على القضايا تختلف من قضية لأخرى لأن القضايا نفسها تختلف، وبالتالي فمنطلقات الأحكام تختلف.. القضية هنا تاريخية بالدرجة الأولى وتنتمي إلى عصر آخر تختلف مبادؤه ومنطلقاته عن عصرنا الحاضر، فبالتالي يجب أن تكون نقطتَي البداية والنهاية لكل ما يمت لهذه القضية من صلة موجودتان في سياقها التاريخي الذي حدثت به، لا ضمن سياق الواقع الحالي.. التاريخ أوسع وأضخم من آرائنا الذاتية ومقاييس عصرنا الناشئة، ونحن حين نصر على تقليصه وتحجيمه إلى خانةٍ أضيق منه فلا ريب أنه سيصبح مسخًا مشوّهًا تنظر إليه الأعين ازدراءً وتُعرض عنه الأوجه احتقارًا! وليس هذا ذنبه وجريرته، بل ذنبنا نحن حين لم نفهمه جيدًا وبالتالي نعامله بما يستحق.

 

يجب أن نعرف أولًا أن الأوضاع السكانية والأوضاع الجغرافية والدولية في ذلك العصر تختلف كثيرًا عن الآن.. العديد من البلدان والدول الحالية لم تكن في السابق كما هي الآن سواءً من ناحية السكان والمواطنين أو من ناحية الهوية والثقافة، مثل : فرنسا، أسبانيا، بريطانيا، تركيا وغيرها، وأسباب ذلك عديدة، منها أن تلك العصور كانت تنتشر فيها الهجرات البشرية لقبائل أو شعوب من منطقة لأخرى بحثًا عن مقومات الحياة الأساسية، فبالتالي لم يكن هناك انتماء جوهري للأرض التي يعيشون فيها كما هو الآن، فمتى ما كانت الأرض كريمةً معهم وتعطيهم ما يريدون من ماءً وكلأ أحبوها وتمسكوا بها واعتبروها كالوطن لهم، ومتى ما اضمحلت خيراتها ونفدت مواردها هجروها إلى أرضٍ غيرها تبذل لهم ما يريدون. هذه الهجرات موجودة منذ وُجد البشر على هذه الأرض إلى الآن، ولم يكن دائمًا مصير هذا الارتحال للقبائل والجماعات يخص أبناءها وحدهم، بل اتسع هذا المصير ليصبح مصير أرض بأكملها، بهويتها ولغتها وتاريخها، كما حدث مثلًا لفرنسا الحالية؛ فهذه البلاد لم تكن تُعرف قبل هجرة الفرنجة أو الفرنسيس بفرنسا بل بـ"بلاد الغال" وكانت حين غزتها الامبراطورية الرومانية يسكنها الكلت أو "السلت" حسب النطق الروماني، وكان هؤلاء يتكلمون لغةً خاصةً بهم إلى أن أصبحوا تدريجيًا خلال ثلاثة قرون يتكلمون اللاتينية (وهي لغة الرومان) لأن اللاتينية كانت هي لغة الكنيسة الرومانية، أي إنهم استلتنوا(على وزن استعربوا) لأسباب دينية كما في حالة السريان خلال الفتح الإسلامي كما سنرى بعد قليل!

ثم غزاها الإفرنج (وهم من القبائل الجرمانية التي هاجرت إلى كثير من أنحاء أوروبا) حوالي القرن الخامس الميلادي وأخذوها من الرومان بعد شدٍ وجذب ومناوشات وحروب معهم واستوطنوا بها، وتغيرت بعد ذلك هوية هذه الأرض (بلاد الغال) وأصبحت تُنسب لملوكها وسكانها الجدد من الفرنجة أو الفرنسيس فسميت بـ"فرنسا".

 

الأمثلة للهجرات والغزوات البشرية وتغيّر هويات الأراضي والدول تبعًا لها عديدة ومن أراد مزيدًا من الاطلاع فليقرأ مثلًا عن هجرات القبائل الجرمانية وتغير مصير أوروبا من بعدها.

 

وإضافةً إلى الهجرات والغزوات التي كانت تقوم بها قبائل وشعوب صغيرة كان هناك في الماضي التوسعات التي تقوم بها الدول والامبراطوريات الضخمة لأغراض متعددة من أهمها الرغبة في زيادة مساحة أراضي هذه الدولة بحثًا عن العظمة والمجد والتخليد في التاريخ..وكانت وجهة نظر سكان البلدان التي تضمها أي امبراطورية تحت حكمها تجاه هذه الامبراطورية تختلف بحسب الظروف الراهنة لذلك البلد، فالبعض قد يسمي هذا الضم احتلال، والبعض قد يسميه تحريرًا أو فتحًا لا سيما إن كان ذلك البلد يقع تحت جور احتلال آخر سابق يذيقه وأهله صنوف الإذلال والامتهان، وقد تتغير هذا النظرة بعد ذلك إذا جرب السكان سياسة الامبراطورية الغازية ورأوا حكمها فيهم. ما أريد قوله أن هذا التوسع للدول والامبراطوريات ترك في سكان البلدان التي تحكمها تغيرات وتأثيرات تتعلق باللغة والقانون والثقافة والهوية بشكل عام، كما شاهدنا في المثال السابق عندما تبدلت لغة سكان فرنسا الأصليين من الكلتية إلى اللاتينية بفعل غزو الامبراطورية الرومانية لهم، الأمر ذاته كان قد حدث أيضًا في كثير من البلدان التي سيطرت عليها الامبراطورية الرومانية مثل أسبانيا قبل غزو القوط حين تأثر سكانها بلغة الغزاة الرومان فاستلتنوا وأصبحوا يتحدثون اللاتينية.

وقد وقع مثل هذا الأمر في أرض سوريا أو بلاد السريان ذاتها عندما احتلها الإسكندر المقدوني قبل الميلاد وضمها إلى امبراطوريته الواسعة فكان نتاج ذلك أن تأثر السريان بالثقافة الهيلينية "الإغريقية/اليونانية" إلى درجة أن أصبح كثير من سكان المدن السريانية يتحدثون اليونانية بينما حافظت اللغة السريانية على وجودها في القرى والأرياف.

 

هذه التأثيرات الجديدة التي تُداخل ثقافة أهل البلاد تبدو طبيعيةً جدًا نتيجة المخالطة والاتصال بين الثقافتين، خاصةً إذا ما اقتُرنت بأسباب دينية فإنها تصبح أقوى وأعمق تأثيرًا.. وهناك مصطلح اصطلح عليه العلماء لتوصيف هذه الظاهرة وهو مصطلح "المثاقفة" وقد عرّفها علماء الأناسة بأنها:

 

" تفاعل بين الثقافات وتأثير أو تأثر متبادل نتيجة الاتصال الحاصل بينها واحتكاك بعضها ببعض.وهذا المعنى هو المعبر عنه بمصطلح acculturation في اللغتين الفرنسية والإنكليزية.وتتجلى مظاهر هذه المثاقفة فيما تقتبسه ثقافة ما من غيرها من الثقافات وتعمل على استيعابه وتأصيله في كيانها حتى يغدو جزءً منه بعد أن كان في المنطلق طارئا على ذلك الكيان ووافدا عليه من الفضاء الخارجي "

 

المثاقفة ظاهرة إنسانية بامتياز ولا حياة حقيقية للمجتمعات الإنسانية بدونها، وهي أمر وُجد منذ تنوعت الثقافات والمجتمعات الإنسانية حتى الآن، وأظن أن القرآن أشار لهذا الأمر في الآية الكريمة:

 

" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚإِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ "

 

فنحن نتعرف على الآخرين لنرى ما عندهم ونأخذ منه ما يسهم في رقيّنا وتحسين حياتنا وظروفنا.. لا ضير في المثاقفة.. ولا ضير في أي اتصال وتأثير بين الثقافات ما دام لا يقوم على قمع الآخر وإجباره على قيم أو ثقافة معينة؛ هذا لا يسمى مثاقفة لأن المثاقفة من أهم شروطها أن تحدث برضا وتلقائية من أحد الطرفين أو كليهما، وقهر الآخر وعسفه على اعتناق مظهر ثقافي معين هو أشبه بالغزو الثقافي لأنه يقوم على الترهيب والاختطاف والسلب والإكراه، تمامًا كما فعل الاستعمار الفرنسي بالجزائر حين حارب الهوية والثقافة الجزائرية العربية الإسلامية، فقام مثلًا بحظر اللغة العربية وعدّها لغة أجنبية وأحلّ اللغة الفرنسية مكانها، وقام بحظر تدريس تاريخ الجزائر وجغرافيتها والعالم العربي والإسلامي، وقام بحظر شرح آيات القرآن التي تتحدث عن الجهاد، كذلك قام بالاعتداء على الألقاب الجزائرية ثلاثية التركيب قبل الاستعمار الفرنسي وأصدر قانون ينص على استبدالها بألقاب لا ترتبط بالنسب.. ففي هذه الحالة وأمثالها يحق لنا أن نحتج ونغضب ونصرخ ونثور ونحاول استرداد حقوقنا الثقافية المسلوبة قهرًا منا، فلنا كل الحق في ذلك، أما أن نعترض على تغيير ثقافي قام به الغالبية منا برضاهم التام ونستنكره ونشجبه بعد مرور قرن وأربع مائة عام عليه فهذا كلامٌ لا يقوله عاقلٌ البتّة!

 

ولكي نفهم الحال جيدًا نعود قليلًا إلى التاريخ البعيد لنتعرف باختصار على السريان الذين عاشوا في أرض سوريا..

السريان: هم الآراميون القدامى، وهم شعب ساميّ عاش في سوريا وأجزاء من العراق وغيرها من المناطق في القرن الثاني عشر قبل الميلاد ويُقال قبل ذلك، ويتحدثون الآرامية وهي من اللغات الساميّة التي تضم عددًا من اللغات كالعربية والعبرية والأمهرية إلى جانب الآرامية، وهي اللغة التي تحدث بها المسيح عليه السلام في فلسطين لأنها كانت منتشرة تلك الفترة في بلاد الشام، ولذلك فمن أهم الأسباب التي جعلت السريان المسيحيين يتمسكون بها أنها كانت اللغة التي تحدث بها المسيح.. أما عن تسميتهم بالسريان فقد اختلف بها العلماء إلا أن المؤكد أنهم سُمّوا بالسريان بعد اعتناقهم للمسيحية في القرن الأول الميلادي إذ كانوا من أوائل الشعوب التي اعتنقتها، وجاءت تسمية سوريا بهذا الاسم نسبةً لهم في أبرز النظريات والأقوال.

وفي فترة احتلال الامبراطورية الرومانية الشرقية (البيزنطية) لسوريا كان السريان يشكّلون الغالبية من سكانها إلى جانب بعض القبائل العربية النازحة إلى أرض الشام، وأيضًا إلى جانب عدد من الروم الذين جاؤوا مع الاحتلال الروماني البيزنطي واستوطنوا هناك. ولم يكن حكم بيزنطة لسوريا وسكانها حكمًا عادلًا رحيمًا..على الأقل في فترات لاحقة؛ إذ كانت بيزنطة تضطهدهم لأسباب مذهبية على وجه الخصوص، إلى جانب السياسات التعسفية التي تفرضها على السكان من ضرائب وغيرها، وهذا الأمر جعل قلوب السريان تنفر من الحكم البيزنطي وتتمنى الخلاص منه في أقرب وقت.. ثم حين ظهر الإسلام ووصل الفتح الإسلامي إلى بلاد الشام؛ رأى كثير من السريان في الفتح الإسلامي خلاصًا وتحررًا من حكم بيزنطة الظالم..وقد كان كذلك؛ إذ ترك المسلمون لهم الخيار في اعتناق أي مذهب يريدون وكفلوا لهم حرية دينهم وأديرتهم وكنائسهم وطقوس عبادتهم وكان حكمهم عادلًا فيهم. (المصدر مقالة لبطريرك كنيسة أنطاكية السريانية هنا)

وبدأ السريان وغيرهم بدخول الإسلام بعد سنوات من الفتح الإسلامي للشام، وأظن أنه حدث في ذلك الوقت استعرابٌ بين السريان الذي دخلوا للإسلام باعتبار أن العربية كان لغة القرآن والصلوات واللغة التي يُفهم بها الدين ويُتفقه بها فيه.. وفي الوقت ذاته تقول المصادر أنه حدثت حركة استعرابٍ واسعة بين السريان في عهد الدولة العباسية خلال القرن الحادي عشر الميلادي، أي بعد حوالي أكثر من ثلاثة قرون من الفتح الإسلامي لبلاد الشام، ولا أدري أكان الاستعراب هنا نتيجة دخول كثيرٍ ممن تبقى من السريان المسيحيين للإسلام أم أنه استعرابٌ للسريان الذين أسلموا بعد الفتح وبقوا محافظين على لغتهم ؟ الله أعلم.. إلا أن حركة استعراب السريان الواسعة هنا تلفت النظر إلى أنه لم يكن هناك أي نوع من المضايقة والإجبار من المسلمين للسريان في لغتهم أو ثقافتهم، بدليل أنها حدثت بعد قرون من الفتح الإسلامي تُرك السريان فيها أحرارًا بشأن لغتهم وثقافتهم إلى أن غيروها هم بأنفسهم، لكن هنا أمرٌ أثار استغرابي حقيقة؛ وهو لماذا حدث استعراب القرن الحادي عشر في هذه الفترة بالذات؟ وما الذي جعل هذه الموجة الكبيرة من السريان تغير لغتها في الفترة فقط ؟ 

إلى أن قرأت أن أحد المؤرخين أشار إلى أن الاستعراب بدأ قبل ذلك في القرن التاسع الميلادي، إلا أنه كان ضعيفًا ولم ينتشر كثيرًا..وأنا أظن أنه استمر تدريجيًا ليس من القرن التاسع بل من بعد الفتح الإسلامي على فترات متفاوتة من القوة والضعف، وانضواء هذه الموجة من السريان تحت لواء اللغة العربية في القرن الحادي عشر أظنه بسبب إسلامهم أو بسبب تأثرهم وافتتانهم بالثقافة والحضارة العربية الإسلامية التي كانت مزدهرةً حولهم ذلك الوقت سواء أكانوا مسلمين أم مسيحيين.

وقد كان للسريان المسيحيين أثرٌ على الحضارة العربية الإسلامية، فقد كان لهم دورٌ كبير لا يُنسى في التعريف بالحضارة الإغريقية والاستفادة منها وذلك حين ترجموا كتبها من اليونانية إلى العربية بأمر من الخلفاء العباسيين، كذلك كان لهم دورٌ في الطب وغيره من المجالات، ومنهم إسحاق بن ماسويه الذي كان طبيبًا لعدد من الخلفاء العباسيين، وولاه الرشيد ترجمة الكتب الإغريقية، وجعله المأمون رئيسًا لبيت الحكمة، ومنهم أسرة بختيشوع المشهورة التي برع منها أطباء وعلماء وخدموا عددًا من الخلفاء العباسيين، وغيرهم..

 

ويقول المؤرخون أنه حين سقطت بغداد والخلافة العباسية في أيدي المغول في القرن السابع الهجري واجتاحت جيوشهم أرض الشام فإنهم تمكنوا بغزواتهم من"خلط الشعب بعضه ببعض" وانزاح الخط الفاصل بين العرب وغير العرب، والعرب القدماء والعرب المستجدين وأصبح الجميع عندها عربًا بلا تمييز. ورغم هذا فإن صوت السريانية لم يزل يُسمع إلى اليوم في أرض سوريا وغيرها رغم سفَر الأيام وتراكم الحاضر فوق أنقاض الأمس، فما تزال لغةً مقدسة تستخدمها الكثير من الكنائس ويُقرأ بها جزءٌ كبير من التراث المسيحي، وما يزال البعض يتحدث بها ويذكرها كلغته الأصل سواءً أكان مسيحيًا أم مسلمًا.. 

وهنا وثائقي جميل للجزيرة الوثائقية يتحدث عن مدينة معلولا السورية التي لم يزل أهلها إلى اليوم يتحدثون السريانية مسيحيهم ومُسلمهم:

 

لا أحد يستطيع أن يغصب أحدًا حقه من الاحتفاظ والتشبّث بتراثه وجذوره، لا أحد يستطيع أن يلفق.. أو ينكر ويلغي أو يفعل أي شيء لكي يقطع لسانًا غير لسانه أو يُصمّ الآذان عن سماع صوتٍ غير صوته .. أنا لا أستطيع أن أزيف الحقيقة وأتعصّب لأصلي العربي وأقول كما قال البعض مثلًا بأن سوريا قبل الفتح الإسلامي كان غالبية أهلها من العرب فالتاريخ يدوّن كل شيء وصفحاته مفتوحةٌ ومعروضةٌ لمن أرادها، ثم إني لا أنتقد أو أهاجم من تبقى من السريان الذين تشبثوا بلغتهم ودافعوا عنها وطالبوا بالالتفات نحوها، أنا أهاجم فقط كل حاقد يظن أن العربية والإسلام سرقوا منه لغته، فهو يحمل في طياته ثأرًا عليها ويلمزها ويلمز الفتوحات الإسلامية وانتشار هذا الدين ويصفه بالزحف أو الاحتلال أو القهر وهو لم يرى من التاريخ إلا شكله الخارجي ولم يفكر أن يدخل ويتفكر فيما وراءه..ولو سأل هذا الحاقد وأمثاله إخوتهم السريان المستعربين لاستغربوا منهم هذا السؤال وقالوا لهم: "وأي شيءٍ أحسن من الانتماء إلى هذا الدين وأي شيءٍ أحسن من الانتماء إلى لغة القرآن المبين والرسول الأمين والصحابة الأكرمين ؟؟"

العجيب أن كثيرًا من السريان إن لم يكن أغلبهم يتشبثون بالسريانية لأنها لغة المسيح عليه السلام أكثر من كونها لغة أجدادهم؛ فلماذا إذن ينقمون استعراب السريان المسلمين لأسباب دينية بينما هم يتمسكون بالسريانية لأسباب دينية أيضًا؟!!

 

أخيرًا وليس آخرًا..

 

أكرر بأني لا أخص السريان هنا دون سواهم بغضًا أو حقدًا معاذ الله، فقط إنما هي حادثةٌ عرَضت أمامي فأردت أن أجعلها نموذجًا أحاول أن أجيب فيه على تساؤلات نفسي قبل غيري وأرد بعدها على كثيرٍ من الشبهات التي تعرضها هذه المرأة وأمثالها من المؤججين للنعرات البغيضة والعصبيات المُنتنة والأفكار المريضة المجنونة، وإلا فإني مُحبةٌ لهذه الأرض وعاشقةٌ لهذا الشرق وميّالةٌ لتاريخه وثقافاته وأطيافه وفنونه بكل اختلافاتها وتنوعاتها..

 

هناك تعليقان (2):

  1. شكراً لك نورة على الاستقصاء والبحث جميل ووافي ، نفس الفكرة أراها من بعض الإخوة المصريين حيث يذكرون بأن أصلهم فراعنة والعربية إنما دخلت عليهم كاحتلال مع الفتح الإسلامي .

    ردحذف
    الردود
    1. ممتنة لتعليقك ..
      نعم لاحظت أنها لدى المصريين أكثر من غيرهم، وغالبيتهم لديهم مشكلة مع الإسلام كدين وليس كهويّة، ويتخذون الانتماء الفرعوني غطاءً يتسترون به على حربهم مع الدين.

      حذف