يُبرم القلب عقودًا مع نفسه وعهودًا على مشاعره فتأتي لحظة ضعفٍ قاصمة وحاجة إنسانية متمكنة فتحِلّّ كل شيء وتنقض كل عتيد ! ذلك القلب الذي اختال يومًا من فرح الاعتداد ومؤنة الكتاب والمداد، وخطَر في بستان الخلوات راقصًا وأزرى بالناس ناكصًا؛ تهتز من تحته إنسانيته وتُبعث منها حاجاتها وعلائقها المتصلة بالناس المتشبثة بالاجتماع المستوحشة من الانفراد.. تفر مزاعم الاكتفاء والتمكن، ويبقى القلب وحده يواجه مصيره، تتراءى أمامه أطياف أصحابه وأحبابه الذي أغلقت أيامه الباب دونهم.. هل يطرق الباب؟ كيف سيطرق الباب؟ كيف سيعبر جسر العودة ولحظات الالتقاء الأولى.. يحاول استذكار المحادثة الأخيرة معهم ليصل بها ما انقطع وينظم ما افترق لعلها تُحدث معه ومعهم أمرا.. وماذا عن الرأي الذي اختلفوا فيه؟ وماذا عن اللجاج عنه والإصرار عليه وإفساده للود قضية، والإدبار معه وإيصاد باب المحبة بعده، وماذا عنهم؟ هل سيتجاوز الشوقُ عزتَهم والذكرياتُ أَنفتَهم ؟ هل سيهزهم الضعف كما هزَّه فيتسمّحون ويعفون؟ أم ستوقظ الجنايةُ عزةَ النفس فيتحالفانِ على جانٍ قد ندم وعزيزٍ قد ذُلّ ؟! على الأقل هم لم يخطئوا، لم يجاوزوا مشاعر طبيعية جُبلوا عليها.. لكن أنت.. أنت؛ فيا لك من متكلّفٍ على سجية، ومستعلٍ على ضعف، ومكابرٍ على إنسان! قد تضاعف ذنبه مرتين وعذابه ثِقلين!
إنما الإنسان آدم؛ لا يزال خائفًا مستوحشًا في أدغال الخلاء ومفازات الفناء حتى يُوجد الله له حواءً وخلقًا آخر.. وإنما الناس نهر؛ قليله ريّان وكثيره فيضان، وإنما الصالحون.. الخيّرون المتقون؛ عتاد وزاد، وغنيمة ومعاد..مُستحبٌ قليلهم وكثيرهم، وإنما الدنيا قيامة وبعث وحساب قبل الموت، وحقك أن تقول فيها "نفسي نفسي" من قبل أن تتطاير صحف الصداقات وتنطق جوارح العلاقات، فتخبر عن باطن الصديق ومغبّة الصحبة، إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر .. فاللهمّ عضدًا تحبه وصدرًا ترضاه !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق