الاثنين، 16 يناير 2017

إلى فتًى لا يقرأ!




"كفى بالمرء حكمة أن يعرف جيدًا نصف دزينة من الكتب"
* غوستاف فلوبير



مخطئٌ من يظن أن العالم الذي يراه ويحسه ويقع في نطاق إداركه ومعارفه هو العالم الحقيقي.. ولكن ما هي الحقيقة ؟ إنها أفاق متوالدة يولد بعضها من رحم بعض..نظن أن لكل أفقٍ نهاية لمجرد أن أبصارنا ومداركنا قد انتهت إليه، فإذا ظننا أننا اقتربنا من تلك النهاية المزعومة وجدناها تشرع بابها لأفقٍ آخر ومدًى جديد لا ينتهي..
الحقيقة أفاقٌ متوالدة، وأنت أيها الفتى لم تستطع رؤية أقرب الأفاق إليك! أنت ببساطة أعمى ! أجل أعمى..من يجعل بينه وبين هذه العوالم الشاسعة والممتدة حائلًا يحسب أنه كل شيء؛ أو أنه يعرف أنه ليس كل شيء لكنه يخاف المساحات المفتوحة.. يستوحش الاتساع..يرهب المدى؛ هو أعمى، وهو في كلتا الحالتين مخطئٌ وآثمٌ بلا شك !

لقد كنت مثلك أيها الفتى..كنت أظن سقفَ خيمتي هو السماء، وسراجها هو النور المطلق والحقيقة الواحدة، ولكني حين خرجت منها إذا بي أرى سماءً غير التي أعرف.. سماءً حقيقيةً..أفقًا ممتدًا، ونجومًا ومِضةً وقمرًا منيرًا! وإذا فوق هذه السماء سماوات أخريات، وشموسٌ وكواكبٌ وأفلاك، وربٌ معبود وملائكةٌ مطهرة، وجنانٌ وجحيم ! وإذا بالكتب تستحيل بُسطًا طائرة تنقلني فوقها إلى كل ذاك.. أقرأ/أطير فإذا الكون من حولي يعود شيئًا فشيئًا إلى سليقته وفطرته الأولى.. الزمان يدور والمكان يغور والحقائق تنبري أمامي شيئًا فشيئًا من وراء حجب الزيف والخداع لتريني ما كان يحبسه الجهل عني وراء جبالٍ من الوهم والغرور ..
أجل أيها الفتى، وحده الجهل يعظّم عقلك الحقير ليريك إياه أعتى وأجلّ وأسمى وأعلى! يريك ظنه يقينًا وحُمقه حكمةً وخطأه صوابًا، ليس كالجهل يحبسك رغم اتساع العالم داخل حدودٍ اختطها لك من الوهم والخطأ، وأنت -يا لغرورك-قد رضيت بها!

لم يجعل الله سبحانه "إقرأ" أول كلمة في القرآن عبثًا-حاشاه سبحانه عن العبث-، أن تقرأ يعني أن تتفكر وتتدبر، والتفكر والتدبر من سبل الوصول إلى الحق والتصديق به، والعمل من أجله، وبناء الحضارة التي تقوم على أركانه..
"أفلا يتفكرون" سبقتها في القرآن آية "إقرأ" ! ليس كالقراءة شيءٌ يصوّب التفكير ويقوّم اعوجاجه.. ولن يحركّ مقوَد عقل أو تفكير.. لن يكسر جمود حياة .. لن يُنهض قعود أمةٍ خاملة شيءٌ كالقراءة وغيرها من أضراب المعرفة

أيها الفتى.. هيا قم الآن، وخذ الكتاب بقوة /اثقب فرجةً في الجدار الذي حبسك عن العالم الواسع من حولك..اقرأ أكثر/ اثقب أكثر..اقرأ كتابًا آخر/ اثقب فرجةً أخرى.. كتابًا آخر/ فرجة أخرى.. أكمل .. أكمل.. لقد هُدّ الجدار! ياااه.. أرأيت يا صديقي كم هو العالم شاسعٌ وجميل ومختلف عما ظننت؟ أرأيت كم أنت ذرةٌ صغرى في أحضانه.. قطرةٌ في بحاره.. ورقةٌ من أشجاره..أرأيت كم كنت مخطئًا حين سجنت نفسك عنه؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق